الجمعة، 3 يونيو 2011

التسامح والمسئولية الفكرية



 "إن خشيتنا المبالغ فيها، من أننا معشر المؤمنين بالتسامح، قد نصبح نحن أنفسنا لا متسامحين، هي التي أدت بنا إلى الموقف الخطأ والخطير الذي بات يوجب علينا أن نتسامح مع كل شيء، وربما مع أعمال العنف(...) وإن هذا الموقف مفهوم بل مثير للإعجاب بطريقة من الطرق، وذلك لأنه ينبع من تلك النظرة التي تقف في أساس التسامح كله: النظرة التي تقول إنني قد أكون على خطأ وقد تكون أنت على صواب، وأنه ينبغي علي أن أعلم نفسي كيف لا أنخدع بذلك الشعور الغريزي الخطير، أو تلك القناعة التي تملي علي بـ"أنا من هو على صواب دائما"، فإن علي أن أحذر هذا الشعور مهما كانت قوته، وذلك لأنه كلما كان أكثر قوة، كلما كان الخطر الكامن في إمكان أن أخيب ظن نفسي بنفسي أكبر...ومعه خطر أن أصبح أنا نفسي متعصبا غير متسامح"
هذا المقطع للفيلسوف الكبير كارل بوبر من كتابه "التسامح والمسئولية الفكرية"، والتسامح في رأيه ورأي الفلاسفة الأخلاقيين، ليس "موضة" عابرة ترتبط بزمان معين أو مكان معين بل هو الشرط الذي لابد منه لإنسانية الإنسان. وما أعداء التسامح سو أعداء الإنسان.
ويقول بوبر أنه إذا كان للديمقراطية (الغربية) من أساس فإن هذا الأساس يحمل إسما واضحا:التسامح..ويقول مستطردا: "ففي مجتمعات الغرب المفتوحة، أو التي تكاد تكون مفتوحة، من الجلي أن كل فرد يجد نفسه موضع تسامح كل فرد آخر، وكل شخص، تقريبا، يؤمن بالتسامح، وربما بأقوى مما يؤمن حتى بالديمقراطية"
ويستشهد بقول لـ فولتير يقول فيه:"ما هو التسامح؟..يسأل فولتير ويجيب: إنه نتيجة ملازمة لكينونتنا البشرية. إننا جميعا من نتاج الضعف، كلنا هشون وميالون لارتكاب الأخطاء. لذا دعونا نسامح بعضنا البعض، ونتسامح مع جنون بعضنا البعض في شكل متبادل. وذلكم هو المبدأ الأول لقانون الطبيعة. المبدأ الأول لحقوق الإنسان برمتها".
ويختم بوبر دراسته عن التسامح باقتراح ثلاثة مبادئ أو أسس تنتشر من حول مفهوم التسامح:
-       المبدأ الأول:"قد أكون أنا على خطأ، وقد تكون أنت على صواب"
-       المبدأ الثاني:"عبر تفاهمنا حول الأمور في شكل عقلاني، قد نصل إلى تصحيح بعض أخطائنا.
-       المبدأ الثالث:"إذا تفاهمنا على الأمور بشكل عقلاني، قد ندنو معا من الحقيقة".
كان كارل بوبر (1902-1994م) واحدا من أكبر فلاسفة التسامح والحرية والانفتاح الاجتماعي في القرن العشرين. وكان من أبرز كتبه:"المجتمع المفتوح وأعداؤه" و"سيرته الذاتية بعنوان "السعي غير المكتمل" 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق